خاص | هل يشهد الموقف الألماني تحوّلا في الملف الفلسطيني - الإسرائيلي؟

صدرت مواقف وتوصيات رسمية عن الحكومة الألمانية ولجنة عمل أمنية تابعة لما يُعرف بمؤتمر وزراء داخلية ألمانيا، مؤخرا، في ما يتعلق بالموقف من إسرائيل ودعم الدعوات لمقاطعتها وحتى نشر خريطة فلسطين التاريخية

خاص | هل يشهد الموقف الألماني تحوّلا في الملف الفلسطيني - الإسرائيلي؟

مظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين في برلين (Gettyimages)

اتصال وثيق مع إسرائيل في ما يتعلق بمبادرات محتملة وموجهة ضدها في الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها، وقف تمويل المنظمات التي تشكك في وجود إسرائيل أو التي تدعو لمقاطعتها أو تدعم ذلك، تجريم تصريحات ورموز ورسومات تستهدف أمن أو وجود إسرائيل، كخرائط تاريخية تشكك في وجودها أو هتافات تنادي بالحرية لفلسطين من النهر إلى البحر.

هذه ليست آراء أو مطالبات قد يتبادر لذهن البعض أن تكون صادرة عن اليمين الأوروبي المتطرف الموالي لإسرائيل، إنما مواقف وتوصيات رسمية صدرت عن الحكومة الألمانية الاتحادية (ائتلاف اشتراكي أخضر ليبرالي) ولجنة عمل أمنية تابعة لما يُعرف بمؤتمر وزراء داخلية ألمانيا.

في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أعلنت الحكومة الاتحادية الألمانية عن "إستراتيجية وطنية" نشرتها في كتيّب من 52 صفحة. إلى جانب تاريخ وحاضر اليهود المعاصر في ألمانيا والمسؤولية التاريخية عن المحرقة "الهولوكوست" وذكر بعض المظاهر التقليدية لمعاداة السامية وكيفية محاربتها، أكدت مرارا حرصها على أمن ووجود إسرائيل بصفتها "ملاذا آمنا لليهود حول العالم" وأن هذا جزء أساسي من أمن الدولة الألمانية. وعلى الرغم من ورود كلمة "إسرائيل" 39 مرة في هذا الكتيب والخلط الدائم بين اليهودية والصهيونية وإسرائيل فإنه حمل عنوان "الإستراتيجية الوطنية ضد معاداة السامية ومن أجل الحياة اليهودية"، حيث جرى وصفها بمثابة أداة نموذجية قابلة للتطبيق في كافة المستويات السياسية والاجتماعية.

وركزت "الإستراتيجية" على حملات المقاطعة ضد إسرائيل المتزايدة في المجالين الثقافي والفني، ونعتتها بمعاداة السامية، كما أشارت إلى احتمال خرقها لعدة قوانين أساسية، ذلك لأنها تعد تمييزا جماعيا ضد الإسرائيليين، وأعلنت عن قرار الحكومة الاتحادية فحص التمويل لمشاريع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية بعناية وأنها سوف تستبعد طلبات الدعم المالي للمنظمات التي تشكك في حق إسرائيل في الوجود أو التي تدعو إلى مقاطعتها أو تدعم حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) بشكلٍ فعال.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث أكدت الحكومة ضمن هذه "الإستراتيجية الوطنية" أنها ستكون على اتصالٍ وثيق مع إسرائيل في الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها بشأن مبادرات محتملة موجهة على وجه التحديد ضد الدولة الإسرائيلية.

وفي حديث مع المحامي الفلسطيني – الألماني، أحمد عابد، والمكلف من المبادرة الفلسطينية اليهودية الألمانية (BT3P) بالدعوى القضائية ضد البوندستاغ بسبب قراره المناهض لحركة المقاطعة (BDS)، قال إن "المبادرة نجحت بالطعن ضد القرار في عدة مدن ألمانية، ذلك لأنه مجرد بيان سياسي صادر عن البرلمان وليس قانونا ملزما، حتى أن محكمة شتوتغارت الإدارية أقرت مؤخرا بأن حركة المقاطعة لا تشكل أي خطر على اليهود في ألمانيا، وأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قضت بأن تجريم حركة المقاطعة هو أمرٌ ممنوع وغير قانوني".

وتابع "لم يعد لهذا أي علاقة بمكافحة معاداة السامية، يبدو أن الحكومة الألمانية تحاول هنا حماية نظام الفصل العنصري الإسرائيلي واحتلاله اللاشرعي".

المحامي أحمد عابد

وفي مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2022 نشر ما يُعرف بمؤتمر وزراء الداخلية الألمان، الذي يضم كافة وزارات داخلية الولايات والمؤسسات الأمنية التابعة لها، ويجتمع عادة مرتين سنويا لتبادل المعلومات وتعزيز التعاون فيما بينها، تقريرا نهائيا لمجموعة عمل أمنية عملت على مدار أكثر من عام وضمت إلى جانب أعضاء لجنتي الأمن الداخلي وحماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" ممثلين عن وزارة الداخلية الاتحادية والمكتب الاتحادي للشرطة الجنائية بالإضافة لعدة مفوضين لمحاربة "معاداة السامية" على المستوى الاتحادي والولايات، يعود تاريخه لمطلع أيلول/سبتمبر 2022 حمل عنوان "الحاجة إلى العمل بسبب تزايد خطاب الكراهية المعادي للسامية والمناهض لإسرائيل على خلفية الصراع في الشرق الأوسط" ركزت فيه على ما أسمته بـ"معاداة السامية المرتبطة بإسرائيل"، حيث نسبتها إلى جانب مجموعات يمينية متطرفة أيضا إلى مجموعات إسلامية ويسارية وفلسطينية.

وتحديدا في ما يخص المجموعات المناصرة لحقوق الفلسطينيين، ادعى التقرير رصد حالات متزايدة لـ"معاداة السامية المرتبطة بإسرائيل" خلال فعالياتهم ومظاهراتهم منذ أيار/مايو 2021 تحت عنوان "الشيخ جراح" وأوصى بمنعها مستقبلا أو إخضاعها على الأقل لشروط لم يتم الإفصاح عنها. إلى جانب حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) نعَت التقرير مجموعات شبابية فلسطينية فاعلة مثل "صامدون" و "فلسطين بتحكي" بمعاداة السامية، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصف تقرير منظمة حقوق الإنسان الدولية "الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين" بأنه في أجزاء منه معادٍ للسامية، وذلك بسبب اتهام إسرائيل بالأبارتهياد (سياسة الفصل العنصري)، وأوصى هنا بوقف الدعم المادي عن مثل هذه المنشورات والفعاليات والمجموعات وأن يخضع هذا التمويل لفحص دقيق خاصة في مجالات الفن والثقافة والبحث العلمي والقطاع العام.

وعلق المحامي عابد بالقول "هذا مناف للدستور الألماني الذي يحفظ حرية التعبير، كما أنه ضد اتفاقية مناهضة الفصل العنصري التي تلتزم بها ألمانيا. هنا يتم تجريم منظمة حقوقية عالمية ووضع حركة المقاطعة (BDS) ومجموعات عمل فلسطينية سلمية في زاوية الإرهاب لأنها تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل بسبب الاضطهاد الممنهج ضد الفلسطينيين".

لم يكتف التقرير بهذا الحد، بل طالب بتجريم تصريحات ورموز ورسومات تستهدف أمن أو وجود إسرائيل مثل خرائط تاريخية تنفي وجودها "يقصد على الأغلب خرائط فلسطين التاريخية" وهتافات زعم أنها تهدف إلى إزالة إسرائيل عن الوجود مثل هتاف (from the river to the sea, Palestine will be free) ومعناه من البحر إلى النهر فلسطين ستكون حرة.

وأشاد مؤتمر وزراء داخلية ألمانيا ضمن إعلانه اتخاذ عشرات القرارات المختلفة مطلع كانون الأول/ ديسمبر الجاري بالتقرير، وأقر الكثير من التوصيات الواردة فيه، ولم يخض في تفاصيل التوصيات الأخرى، لكنه ترك الباب مفتوحا للولايات لتطبيقها بالرجوع لمفوضي محاربة "معاداة السامية" للاستشارة، وهذا يُذكّر بمنع تظاهرات إحياء ذكرى النكبة والوقفات الاحتجاجية على خلفية اغتيال شيرين أبو عاقلة في برلين نتيجة توصية مفوض محاربة "معاداة السامية" في الولاية، حيث قامت الشرطة بإيقاف شبان وشابات حملوا الأعلام الفلسطينية أو ارتدوا الكوفية في العاصمة الألمانية في تلك الفترة.

وأكد عابد أنه بالفعل في ولاية بادن فورتمبيرغ يمثَل حاليا شخص أمام إحدى المحاكم بسبب هذا الهتاف المذكور تحديدا وهناك استعداد للذهاب للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إذا لزم الأمر، ورأى أن "مؤتمر وزراء الداخلية الألمان ينفذ مصالح سياسية خارجية لإسرائيل بتطبيق هذه الإجراءات ضد الفلسطينيين، وأنه يكيل بمكيالين، حيث يتجاهل حقيقة أن إسرائيل والمجموعات المؤيدة لها في ألمانيا تستخدم خرائط تصوّر إسرائيل من النهر للبحر دون أي وجود لفلسطين، وبدلا من ذلك يتم ملاحقة ومضايقة الفلسطينيين ومنظمات حقوقية تعمل ضد الفصل العنصري الإسرائيلي والفاشية".

كلا الملفين "الإستراتيجية الوطنية وتوصيات اللجنة الأمنية" أكدّا على مكانة إسرائيل المميزة في ألمانيا نظرا للمسؤولية التاريخية عن المحرقة، كما حثّا على تعزيز التبادل الثقافي معها خاصةً في المجالين التربوي والتعليمي، وحضّا على نقل "الصورة الواقعية" لإسرائيل تحديدا لدى الشباب واليافعين في ألمانيا. وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: هل ستتضمن هذه الصورة الواقعية التجاوزات التي تقوم بها إسرائيل كالاحتلال والاستيطان؟ كذلك الانتقادات والاتهامات الموجهة لها بممارسة سياسات التمييز والفصل العنصري خاصة من قبل منظمات حقوق الإنسان "العالمية والإسرائيلية"؟ والأهم في ظل كل ما سبق من قرارات وتوصيات رسمية هل ستكون وجهة النظر الفلسطينية حاضرة ضمن هذه الصورة الواقعية؟

لربما يكون بنيامين نتنياهو بصفته رئيس حكومة إسرائيل، التي تنوي ألمانيا أن تكون على اتصال وثيق معها في ما يتعلق بمبادرات موجهة ضدها في الأمم المتحدة، من أجدر الأشخاص لنقل هكذا صورة، حيث غرّد على موقع "تويتر" مقدّمة اتفاق ائتلافه الحكومي الجديد مع اليمين المتطرف الفاشي: "هذه هي الخطوط الأساسية للحكومة الوطنية التي أقودها: للشعب اليهودي حق حصري لا جدال فيه في جميع مناطق أرض إسرائيل. ستعمل الحكومة على تعزيز وتطوير الاستيطان في جميع أنحاء أرض إسرائيل - في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة".

التعليقات